Une lecture froide des leçons de la bataille de Naher el-Bared // قراءة باردة في دروس معركة البارد

ليس من الغرابة في شيىء ان تنقسم الطبقة السياسية في لبنان,وهي التي تخترقها كل انواع الانقسامات السياسية والمذهبية على خلفية ولاءات اقليمية ودولية متنابذة,حول قراءة الحرب التي دامت نيفا وماية يوم في مخيم نهر البارد بين الجبش اللبناني ومااضحى معروفا تحت مسمى »عصابة شاكر العبسي » او « فتح الاسلام ».كما انه من الطبيعي الى حد كبير,في بلد مثل لبنان,ان بسارع البعض الى الاستثمار السياسي في انتصار الجبش وان بسعى البعض الآخر الى التخفيف من اهمية هذا الانتصار.الا انه في جميع الاحوال يستحق هذا الحدث الجلل قراءة هادئة تسعى لاستخلاص ما امكن من الدروس المفيدة لمستقبل هذا البلد الجريح.

بداية يمكن القول ان الجيش اللبناني سجل انتصارا عسكريا لالبس فيه رغم الخسائر الجسيمة التي تكبدها والوقت الطويل جدا الذي استغرقته المعركة.والسبب كما هو معروف ان الجيوش النظامية,مهما كانت قوية ومجهزة , تعجز عن الحسم السريع للمواجهات مع عصابات الغيريللا ,والتاريخ يقدم لنا لائحة لاتنتهي بالامثلة والنماذج في هذا المضمار. الاميركيون والفرنسيون والبريطانيون والروس و »الاسرائيليون » عانوا ومايزالوا من هذا النوع من الحروب.والجيش اللبناني ليس جيشا قويا حديثا ولايملك الحد الادنى الضروري من السلاح والعتاد لمثل هذه المواجهات او غيرها, ولطالما تم التعاطي معه طيلة عقود الوصاية السورية الثلاثة على انه مجرد كتيبة ملحقة بالجيش السوري لمهام داخلية بسيطة لا كجيش وطني عليه الذود عن حياض الوطن في وجه القوة « الاسرائيلية »المعتدية.وللعدالة ينبغي القول ان حاله لم تكن بافضل قبل هذه الوصاية ولابعدها.ويزداد الامر تعقيدا في حالة مخيم نهر البارد الذي كان يكتظ بالمدنيين عند بداية المعركة والتي طالت ايضا بسبب تفادي تعريضهم للخطر اذ لم تحسم المعركة الا بعد خروجهم بالكامل من المخيم.حساسية الوضع مزدوجة,هناك مدنيون ابرياء وجلهم من الفلسطينيين على خلفية الخوف من ان ينسحب الوضع الخطير على العلاقة اللبنانية-الفلسطينية التي تعاني من كل الامراض التي نخرت اجساد فلسطين ولبنان والنظام الاقليمي العربي المترنح.

الانتصار اللبناني في شقه العسكري يعني ان الجبش اللبناني مؤهل,في ما لو تم تسليحه واعداده كما ينبغي,لان يكون جيشا وطنيا مثل كل جيوش الدول المستقلة التي تلقى على كواهلها مهام حماية الحدود والاستقرار واللحمة الوطنية.وليتوقفوا عن اخافتنا,عند كل ازمة ومنعطف,من انقسام الجيش او انفراط عقده.فبمجرد ان تركوه يعمل, ولو بحد ادنى من الغطاء السياسي,اثبت قدرته على تحمل المسؤولية, لافرق بين مسلميه ومسيحييه وسنته وشيعته فقد سقط له شهداء من كل الملل والنحل في سبيل الواجب الوطني الذي ارتقى الى مستوى القداسة. على الصعيد الشعبي بينت حرب البارد عن وحدة الشعب اللبناني خلف جيشه وهذا ما بدا جليا طيلة الاشهر الثلاثة من القتال كما بدا بشكل اوضح من خلال الاحتفالات بالنصر التي عمت الاراضي اللبنانية ومن خلال تعاون اهالي المناطق المحاذية للمخيم مع الجبش خلال المعارك وما بعدها اذ انهم تكبدوا المخاطر للمشاركة في عمليات ملاحقة الفارين من عصابة العبسي الذين لم يجدوا ملاذا آمنا بين السكان.هنا يكمن الفرق بين المقاومة والارهاب.فبحسب تعبير ماوتسي تونغ الشهير لاتكون مقاومة الا تلك التي تسبح كالسمكة في الماء بين السكان المحليين, وعلى ما يقول تشي غيفارا فان الفرق بين المقاومة وعصابة اللصوص يكمن في ان الاولى تجد ملاذا آمنا بين السكان الذين يقدمون لها العون والمخبأ والدعم.

لقد برهن اللبنانيون,في غالبيتهم الساحقة على الاقل,انهم ضد مثل هذه الظواهر الغريبة الشاذة وبالتالي لايمكن للبنان ان يكون ارض جهاد او حتى نصرة بحسب التعابير المستخدمة في قاموس تنظيم القاعدة.هذا لايعني بالضرورة ان الارض اللبنانية باتت خالية من الظواهر الارهابية ذلك ان « فتح الاسلام »ليست الا واحدة منها وما يزال الدرب طويلا امام اللبنانيين لتنظيف بلادهم من هكذا ظواهر ولذلك شروط اولها طبقة سياسية غير هذه التي تكن الولاءات لغير الوطن. لقد نجح الجيش في عزل المعركة عن الانقسام السياسي الحاصل والتجاذبات السياسية القائمة وبرهن عن الكثير من الحكمة والاتزان ما منع انتشار لهيب الحرب الى المخيمات الفلسطينية او غيرها.وبالتالي كان النجاح سياسيا وعسكريا على السواء.لكن دخول الانجاز في بازار الاستحقاق الرئاسي خطف الكثير من بريقه ما يستلزم قراءات هادئة بعيدا عن هذا البريق. من المؤكد ان الجيش لو فشل في هذه الحرب او انهزم لكان وجود لبنان نفسه قد اضحى في مهب الريح.لذلك لامبالغة في القول ان المعركة كانت,في حيز منها على الاقل,معركة استقلال ووجود بمعزل عن هوية الذين زجوا الجيش او المسلحين في القتال وهوية الارهابيين وانتماءاتهم ومن يقف خلفهم,فهذا سيكون جزءا من لائحة طويلة من الاسئلة التي على التحقيقات العدلية ان تكشفها في وقت لا ينبغي ان يكون طويلا. تنفتح نهاية معركة البارد على ورشة تفكير من شقين :الاول استراتيجي يتعلق بدور الجيش من الآن وصاعدا في عملية اعادة بناء الدولة اللبنانية.هنا تكمن اشكالية مستعصية وهي ان لبنان تحكمه طيقة سياسية لطالما حرصت على ابقاء الدولة ضعيفة اشبه بالبقرة الحلوب لحساب المصالح الفئوية الضيقة,فهل يستطيع الجيش التصدي لهذه الاشكالية واخذ زمام المبادرة لاطلاق مثل عملية اعادة البناء هذه على خلفية تشرذم طائفي-سياسي ونفوذ دولي واقليمي اخترق النسيج السياسي من دون ان يعرض كامل التركيبة اللبنانية الهشة لمخاطر التفكك والتصادم؟طالما ان الجواب معروف هنا فان السؤال سيبقى معلقا في انتظار تبلور ظروف مختلفة ,ما يجعل الشق الثاني اكثر الحاحية وهو المتعلق باعادة بناء مخيم البارد والحرص على المناخ الوطني-العربي-الدولي الذي جعل الانتصار في البارد ممكنا والذي عليه ان يمنع حصول مواجهة شبيهة في بقعة لبنانية اخرى وان يجعل الانتصار فيها ممكنا اذا حصلت ولكن بسرعة اكبر وفعالية اشد هذه المرة.

Ghassan El Ezzi, 24 septembre 2007