La nouvelle relation franco syrienne// أفاق العلاقة السورية-الفرنسية الجديدة

تقتضي الموضوعية مقارنة ما قدمته فرنسا لسورية في بداية عهد كل من الرئيسين شيراك وساركوزي, وليس في بداية حكم هذا الأخير ونهاية حكم سلفه.وهنا لا ينبغي التفكر كثيرا قبل الإقرار بان ما قدمه الرئيس شيراك لسوريا في ولايته الأولى وحتى أواسط ولايته الثانية هو أكثر بكثير مما قدمه ساركوزي لها حتى الآن وأقصى ما يمكن ان يقدمه لها مستقبلا.يكفي القول ان شيراك كان الرئيس الغربي الوحيد الذي شارك في مأتم الرئيس حافظ الاسد قبل ان يتبنى ولده بشار ويفتح أمامه أبواب الاليزيه وكل العواصم الأوروبية.وهو الذي أعلن من بيروت مرتين أخرهما في العام 2002 ان الوجود السوري في لبنان شرعي وضروري ومستمر الى ما بعد نهاية الصراع مع « اسرائيل ».لكن لأسباب سورية وفرنسية داخلية ودولية تبدلت الامور في العام 2004 مع القرار1559وزاد من تبدلها, في اتجاه غير ملائم لدمشق, اغتيال الرئيس الحريري في14 فبراير/شباط 2005.

واذا كان شيراك ظل يوصف بصديق العرب حتى رحيله عن الاليزيه فان ساركوزي وصل الى السلطة موصوفا بأنه صديق ل »إسرائيل » وللولايات المتحدة وأطلسي التوجه والتفكير.ولا يبدل في الامر شيئا سياسته السورية الجديدة,والتي يصفها المقربون منه بأنها »غائية » تسعى الى الأهداف الاميركية نفسها عبر وسائل مختلفة. ماذا ير يد ساركوزي بالتحديد من سوريا؟ اولا وقبل كل شيىء تكونت لديه القناعة انه من دونها لاسلام في لبنان وبالتالي في الشرق الاوسط بما فيه العراق وفلسطين.كما تبلور لديه الاقتناع وبعد التجربة هذه المرة انه لا يمكن تحقيق شيء عبر مقاطعة سوريا وتهديدها والضغط عليها,وبالتالي فمن الحكمة ان يصار الى تجربة التقرب معها وإغراءها, أي بكلام أخر تجريب الجزرة بعد ان افضت العصا الى لاشيء. يريد ساركوزي ان يحقق في اقصر فترة زمنية ممكنة-أي قبل نهاية ولايته بعد اربع سنوات- مشروعه المتعلق ب »الاتحاد من اجل المتوسط ».ومثل هذا المشروع لا يمكن ان يتقدم فعليا من دون بلدين متوسطيين أساسيين هما لبنان وسوريا.ونفوذ هذه الاخيرة على جارها الصغير برهنته الأحداث التي أثبتت انه يصعب تخطيها في أي شأن لبناني.وقد حقق ساركوزي نجاحا يفاخر به عندما اقنع الرئيس الاسد بقبول التبادل الدبلوماسي مع لبنان كخطوة اولى في طريق انجازات اخرى يسعى اليها الرئيس الفرنسي في صياغة علاقة لبنانية-سورية جديدة برعايته.وفي الوقت نفسه فانه يطمح الى ان يتقاسم مع تركيا دور الوسيط في المفاوضات السورية-« الاسرائيلية » التي يبدو انها تسير على طريق سوي.وفي هذا الملف المعقد الذي لاقى الاميركيون فيه الفشل تلو الفشل فان أي انجاز يحققه الفرنسيون يعيدهم الى مركز الصدارة الاوروبي بعد تراجعهم اثر ال »لا » التي قالوها في وجه الدستور الاوروبي المشترك في العام 2004 كما يدفع اوروبا نفسها قدما في اتجاه الصدارة الدولية.في المقابل فان اخلاء الساحة للاتراك تجعلهم ان نجحوا في تحقيق اختراق في اعقد الملفات الدولية على الاطلاق ,أي الصراع العربي-« الاسرائيلي » قادرين على محاججة من يرفض ادخالهم في الاتحاد الاوروبي ,امثال ساركوزي نفسه. هذا الاخير كشف عن فضولية مفرطة عندما قال لدى توجهه الى دمشق ان » فرنسا وسوريا بلدان اساسيان للسلام في الشرق الاوسط ».سوريااكيد ولكن لماذا فرنسا؟ كما طالب ساركوزي مضيفه الاسد بان يمارس الضغوط على ايران بشان ملفها النووي.وكان من المستغرب أيضا ان يعمد ساركوزي الى تهديد طهران من دمشق عندما برر يطريقة غير مباشرة ضربة »إسرائيلية »ضدها,في حين ان الاسد دافع عن حليفه الايراني مؤكدا سلمية برنامجه النووي.وباختصار شديد فان ثمة اهداف تتعلق بمكانة فر نسا الدولية وبمكانة ساركوزي فرنسيا واوروبيا وعالميا واخرى لبنانية وايرانية و »اسرائيلية »من وراء سياسة ساركوزي السورية الجديدة,دون ان ننسى الاهداف الاقتصادية والتي بدأت بتوقيع شركة توتال النفطية على ثلاثة عقود مع سوريا كبداية لتعاون اقتصادي مقبل.في المقابل هناك اهداف سورية من وراء الانفتاح على فرنسا وتقديم بعض التنازلات لها في مقابل بعض »الهدايا »منها.اول واهم هذه الاهداف هو كسر عزلة سوريا وعودتها الى الحظيرة الدولية.لكن هل تملك العلاقة ما بين البلدين أفاقا واعدة حقيقة وفعلا؟ الرئيس الاسد نفسه اكد ان لاتقدم فعليا في المفاوضات مع « اسرائيل » من دون انخراط ادارة اميركية مقتنعة وجادة فيها.ثم ان هذه المفاوضات توقفت عمليا في انتظار ما ستؤول إليه الاوضاع السياسية في « اسرائيل ».اي في المحصلة لن يمكن تحقيق شيء فعلي قبل نهاية الربيع المقبل.فاذا سارت الامور على مايرام سيجري الاحتفال بالإنجاز الكبير في حديقة البيت الأبيض وليس الاليزيه.واذا تخربطت الامور كما جرت العادة فعادت الى المربع الاول يكون السوريون قد خرجوا من عزلتهم ويعود الفرنسيون مشكورين الى حجمهم الحقيقي كقوة متوسطة وليس عظمى كما قال الرئيس جيسكار ديستان ذات مرة. لاتملك سوريا عصا سحرية تحل بها كل الملفات الساخنة من العراق الى غزة مرورا بلبنان ناهيك عن الملف النووي الايراني.من موقعها الحالي كحليف لحزب الله وحماس وايران يمكن لها ممارسة تأثير على هذه الملفات,اما اذا انتقلت منفردة الى الموقع المقابل فتأثيرها سوف يضمحل لا ريب.وهي تدرك ذلك فتقترب من حلفائها مقابل كل خطوة إضافية في المفاوضات. واذا كان الفرنسيون يظنون ان بالامكان جر سوريا الى خارج تحالفاتها فانهم يراهنون على سراب ويساهمون في تعقيد الامور لان السلام العادل والشامل في المنطقة يبقى مرتبطا ليس بالجولان وحده انما بكل تعقيدات المشكلة الفلسطينية من القدس الى اللاجئين الى حدود الدولة الفلسطينية المزمعة.

Ghassan El Ezzi, 

26 septembre 2008