ماذا سيفعل الجيش المصري؟ //Que va faire l’armée égyptienne ?

في الأزمة المصرية خمسة لاعبين بصفة عامة رغم التباينات داخل كل فريق. وتدور بينهم المباراة لأنهم يتفقون على المشكلة في هذه اللحظة وإن كان لكل منهم سببه، ثم يختلفون بعد ذلك في حلها، ولولا اتفاقهم على قاسم مشترك لما كانت هناك لعبة، فكما يقول بيير بورديو لا توجد منازلة إلا إذا وجد كل طرف رغبة فيها.

والرغبة المشتركة بين الجميع تتعلق بمشكلة ما بعد مبارك، فالجيش والأمريكيون والإسرائيليون يرون أن صحة الرئيس مبارك تتدهور، وعمره يتقدم، ومع ذلك لا يزال يماطل في تأمين انتقال السلطة، بل يبعث برسائل تخيف أعوانه وحلفاءه، فهو يرفض منذ ثلاثين سنة تعيين نائب له، ويسهر على رفع ابنه جمال في منازل الحزب الحاكم، ويصطحبه في مهمات دبلوماسية كبيرة، وتركه يحيط نفسه بقوى المال. وهذه علامات كلها لا تطمئن الجيش أولا، وتترك الأمريكيين والإسرائيليين في حيرة وارتباك. وكان من الضروري حسم مسألة تأمين انتقال السلطة بعد ذهاب مبارك حتى يحافظوا على الاستقرار بأهم حلفائهم في المنطقة العربية.

أما المصريون فيريدون ذهاب مبارك ليس طلبا للاستقرار، وإنما بقصد التغيير، لأنهم شعروا بأن هذا النظام لم يجلب لهم إلا التعاسة والظلم والفقر والهوان.

لا يعني هذا أن هناك مؤامرة بل المقصود أن هناك أجندات كانت جاهزة وتنتظر الفرصة، وجاءت هذه الفرصة مع اندلاع التظاهرات، فسارع كل لاعب ليستفيد من الأزمة في تنفيذ مطالبه.

وكان أول من حقق أهدافه هو الجيش، فقد ضرب عصفورين بحجر واحد : استعمل حجر التظاهرات ليضغط على مبارك فيقضي على التوريث بتعيين رئيس الاستخبارات نائبا للرئيس، ثم ليضمن استلام السلطة بعد رحيل مبارك منها. وهذا الذي يفسر سكوت الجيش على الاحتجاجات في البداية، لكن من المحتمل أن يتحول سلوكه في الأيام القادمة، لأنه من قبل لم يكن مستفيدا كثيرا من الوضع لكنه صار حاليا هو النظام، ويرى مصلحته في الحفاظ عليه وليس في تغييره كليا.

ولعل من الدلائل على ذلك، أن الجيش المصري ليس مشابها للجيش التونسي، فالأول يعد جزءا من النظام، فقادته يتولون مسؤوليات في السلطة، ويمارسون الأعمال عن طريق الأشغال المدنية، أي أنهم كانوا طرفا في تقاسم السلطة و الثروة، أما الجيش التونسي فكان مبعدا عن السلطة والثروة، وكان يرى نفسه أحد ضحايا الرئيس زين العابدين بن علي.

هذا في الاتجاه العام، أما عن الإشارات الحالية، فالمتظاهرون يحاولون أن يكرروا التجربة التونسية بكسب الجيش إليهم، لكن الرئيس مبارك ظهر لهم في مركز قيادة العمليات التابع للجيش، وهو يعطي التوجيهات لقادته، وكأنه يقول للمحتجين، هؤلاء الذين تراهنون عليهم لخلعي هم جنودي، ولا زالوا يدينون لي بالطاعة والولاء. وفي تلك الأثناء، كانت الطائرات الحربية تحلق على علو منخفض فوق المحتجين بميدان التحرير، وكأنها تحاول تخويفهم ليتركوا المكان .

لكنه من جهة أخرى، أبدى انحيازا للمحتجين لاحقا، حين ساند مطالبهم ووعد بالامتناع عن استعمال القوى في التعامل معهم.

ولذلك، يبدو أن الجيش لن ينتقل إلى حالة العداء للمتظاهرين إلا إذا ضمن موافقة أمريكا التي هددت بقطع المساعدات، و ربما بإجراء سياسية أخرى إذا لم تحدث إصلاحات سياسية اشترطتها كجواب على مطالب المحتجين، وقد يكون الجيش كذلك لم يصل بعد إلى اتفاق حول المقابل الذي يمكن أن يقدمه للمحتجين لترضية بعض مطالبهم حتى يحافظ على تعاطفهم ويقلل من تكلفة احتفاظه بالسلطة. ولعله يراهن كذلك على قبول المحتجين باستلامه للسلطة بشكل سلس إذا وافق على تنحية مبارك، فيحافظ على وضعه كقاعد للنظام وعلى هالته كرمز للوطنية والدفاع عن الشعب، لكن هذا الموقف قد يتبدل إذا شعر بأن مطالب المحتجين تفوق قدرته على الوفاء بها.

وهنا نصل إلى اللاعب الأمريكي والإسرائيلي، وهما يتفقان في نقطة ويختلفان في أخرى، يتفقان في ضرورة تأمين انتقال السلطة بعد مبارك لتكون في يد قيادة تحافظ على السلام مع إسرائيل، لكنهم يختلفان في تشكيل هذه السلطة، فأمريكا تريدها أكثر اتساعا للقوى المحتجة، حتى تصب في رصيد دعواتها كناقل للديمقراطية بالمنطقة العربية، وثانيا حتى يستند النظام الجديد إلى قاعدة واسعة تعطيه درجة أكبر من الاستقرار فيكون عازلا لقوى « التطرف ». فأمريكا تشعر بأن المعركة الحقيقية هي معركة شرعية، وإذا لم تكسبها سيكسبها المتطرفون، وسيخسر الجميع.

أما إسرائيل فليست مهتمة كثير بهذه الاعتبارات، وتود بالأساس نظاما قويا يحافظ على السلام معها.

أما الثائرون فمنقسمون، جزء منهم يريد تغيير النظام كله، وجزء يريد تقاسم السلطة معه ولو مرحليا.

وإذا افترضنا أن الحل سيكون في القاسم المشترك بين مطالب القوى المختلفة، فإننا يمكن أن نقترح السيناريو التالي :

سيوافق الجيش على توسيع السلطة أكثر لقوى المعارضة، حتى لا يبدو كأنه انقلاب عسكري، وليحصل على شرعية شعبية، ويرضي أمريكا، ولكنه لن يوافق أبدا على طلبات القضاء على النظام.

وفي هذا السيناريو، يمكن أن نتصور مشهدين، أن يظل الجيش ماسكا بالسلطة، أو أن يتقاسم السلطة التنفيذية مع البرادعي أو غيره، ويظل هو متحكما في القضايا الأمنية و الخارجية.

أما مبارك، فيمكن أن نفترض مشهدين، أن يعلن بأنه لن يترشح لانتخابات رئاسية أخرى، فيرضى بذلك المحتجون، أو أن تتزايد الضغوط فيضطر الجيش وأمريكا بأن ينفخوا في مرحلة ما بعد مبارك نفسا جديدا ليبقى الوضع على ما كان عليه قبل مبارك، فيضحوا بالرئيس مبارك على مذبح الغضب الشعبي، ويكون ذلك بالإعلان عن انتخابات رئاسية مسبقة، فيشعر المحتجون بانتهاء عهد وبداية جديد.

و لعل هذه المشهد سيكون الأكثر رجحانا لأن اللاعبين الثلاثة : الجيش وأمريكا والمحتجين يريدون ضحية تكون تدشينا لمرحلة جديدة، لكنها بالنسبة للاعبين الأولين هي تغيير ليبقى كل شيء على حاله. أما للاعب الثلاث، فالتغيير نفسي فقط مع وهم بأن التغيير الحقيقي آت بعد حين.

الحواس تقية باحث في الشؤون السياسية

Haouas Taguieh

2 février 2011