آخر أوراق القذافي // La dernière des cartes de Kaddhafi

كان القذافي يعوّل على الصدمة والترويع باستعمال الأسلحة الثقيلة والطائرات في قمع الثورة حتى يصاب الثوار بالرعب فيتوقفوا عن تحركاتهم لكن هذا الرهان فشل. فكلما زاد القذافي من حدة القمع كلما تهاوى أركان نظامه وتخلى عنه أقرب المقربين. وبتعبير آخر كلما حقق انجازا عسكريا يحصل في مقابله على إخفاق سياسي. ولا جدوى من الأعمال العسكرية إلا بما تحققه من نتائج سياسية كما علمنا هيغل في تعليقه على نابليون.

ونفس الشيء يمكن تطبيقه على إستراتيجية القذافي الخارجية. كان يعتقد أن الغرب سيسكت على قمعه خوفا من القاعدة وأمواج المهاجرين التي ستتدفق على شواطئه، وطمعا في البترول والغاز والعقود الدسمة، لكن الغرب لم يبتلع الطعم هذه المرة، و لم يسكت على القذافي كما سكت عليه في بداية التسعينات لما قمع انتفاضة 1993 ، بل إنه ردّ على القمع الذي يمارسه القذافي بنزع الشرعية عنه، ولم ينحصر الأمر في العالم الغربي بل سبقه العالم العربي إلى ذلك.

وهكذا يلمس القذافي ، ربما لأول مرة، عجز السلاح عن ضمان حكمه وسلطته وشرعيته. فماذا سيفعل وهو الذي لم يعرف في تاريخه كله إلا المراهنة كما قال على البندقية. ربما تنفعه في هذه اللحظة مقولة نابليون الشهيرة: السيوف تصلح لأشياء كثيرة إلا للجلوس عليها.

هذا العجز أصاب القذافي ونظامه بالشلل، فلم يعد يهاجم بل إنه يعمل حاليا على منع مزيد من الانهيارات بعد ما أصابت أقرب المقربين إليه مثل ابن عمه أحمد قذاف الدم. وسيراهن في الأيام القادمة على هذه الإستراتيجية الدفاعية حتى ينظم صفوفه، ويقويها بعدد متزايد من المرتزقة، ويرتب خيارته حسب قدراته، وتتجه حاليا إلى الدفاع عن طرابلس لأهميتها الرمزية واللوجيستية، وقبيلته والبترول، ليظل في السلطة أميرا شبيها بأمراء الصومال.

لكن هذا السيناريو ليس راجحا حتى وإن كان محتملا.

فطرابلس ليست تحت سيطرته، فهي ناقمة عليه، ويعيش فيها سدس سكان ليبيا، أي نحو مليون نسمة، بينما قوات القذافي المتكونة من كتائب أولاده والمقربين منه تقدر بنحو 40 ألف، فكيف يمكن لهم أن يسيطروا على تلك الأعداد الهائلة. علاوة على أن طرابلس محاطة بالمدن التي يسيطر عليها الثوار، وسيعملون على إسقاطها حتى لا تظل بؤرة تنطلق منها الثورة المضادة.

وتعاني طرابلس كذلك من بعدها بنحو 800 كم عن منطقة تواجد مركز قبيلة القذافة بمنطقة سبها ، فلا يستطيع القذافي الاستعانة بهم بسهولة.

وأما قبيلة القذاذفة فإنها ليست القبيلة الأكثر عددا، حيث تقول التقديرات أن أفرادها نحو 130000 ، وتفوقها قبيلة ورفلة التي يقدر عددها بنحو مليون فرد والمقارحة بمئات الآلاف، والقبيلة الأولى أعلنت تمردها عليها والثانية عانت من ويلات قمعه، إضافة لقبيلة الزوية بالمنطقة الشرقية، وهي وإن كانت قليلة العدد إلا أنها واسعة النفوذ لقربها من مناطق بترولية غنية، وقد هددت بقطع إمدادات النفط إذا استمر القذافي في قتل الثوار.

وتعاني قبيلة القذاذفة أيضا من نزاعات داخلية، ظهرت في إحجامها إلى حد الساعة عن التصريح بمساندة القذافي أو التحرك لنصرته، أو التهديد بحرب قبلية إذا انهار حكمه.

أما المرتزقة، فإن عددهم يقدر بنحو ثلاثين ألف كما نقلت صحيفة لاريبوبليكا الايطالية، ويأتي معظمهم من تشاد والسودان، لكنهم لا يمكن أن يهزموا الثوار ، لأن مشاركتهم في القتال تؤجج حنق الليبيين على القذافي الذي يستعين بالأجانب لقتل أبناء شعبه، وهذه خسارة سياسة هائلة ظهرت نتائجها في الاستقالات المتتالية، وستتزايد أكثر إذا واصل المرتزقة قمع المتظاهرين.

ثم إن إعدادهم وتدريبهم لا يؤهلانهم لحسم المعركة، خاصة إذا نظّم الثوار صفوفهم مستعينين بقوات الجيش والأمن التي التحقت بهم. علاوة على أن هناك عاملا هاما وهو الموارد المالية التي بيد القذافي حتى يستطيع دفع مرتباتهم. وهي موارد ستتناقص مع العقوبات الغربية على أموال القذافي وسيطرة الثوار المتزايدة على تدفق النفط إلى الخارج. وإذا لم يعد القذافي يملك المال فإن المرتزقة قد ينقلبون عليه للمطالبة بمستحقاتهم.

وإذا كانت قدرات القذافي الحالية تجعله يرضى بأقل من حكم ليبيا، كأن يكون أميرا للحرب، مثل أمراء الحرب في الصومال، فإن ميزان القوى على الأرض يحرمه حتى من هذا القليل.

أولا، ليبيا بلد بترولي وعلى أبواب أوربا، ولا يمكن أن يسمح الغربيون لها أن تكون أرضا مستباحة لأمراء الحرب، فهي أثمن وأخطر من ذلك.

ثانيا، لا يوجد في ليبيا لحد الساعة قوة قادرة على الحرب الأهلية أعلنت عن استقلالها ولو تلميحا عن باقي المناطق الليبية، بل ما نراه هو التفاف للمناطق الليبية حول المناطق الشرقية المحررة. مع العلم، أن مناطق الساحل المدينية تضم نحو 90 بالمائة من سكان ليبيا.

ثالثا، يمتلك الثوار من الشرعية، كما هو واضح من التفاف الليبيين حول نفس المطلب والعلم الذي يعود للمرحلة الملكية، ومن قوة العدد والخبرات والاعتراف الخارجي بعد نزع أغلب دول العالم الشرعية عن نظام القذافي،ما يجعلهم قادرين على تشكيل قاعدة يقوم عليه نظام ليبي جديد بديلا عن نظام القذافي أو عن فوضاه بتعبير أدق.

Résumé

« Mouammar Kaddhafi pensait que le recours à la force suffirait à renforcer son assise en Libye. De même, il pensait que cette stratégie du plus fort court-circuiterait toute possibilité d’action pour des pays occidentaux en besoin de pétrole. Or, les faits en sont allés autrement. Ainsi, plutôt que de lutter pour son maintien en poste et son renforcement, Kaddhafi essaie maintenant de contrer tout effondrement supplémentaire de ses bases traditionnelles. Sa priorité paraît maintenant passer par la sauvegarde (même symbolique) de Tripoli ; mais même cet objectif paraît voué à l’échec. Tripoli ne lui est en effet pas acquise; des segments larges de la population s’opposent à lui; quant aux tribus et relais sur lesquels il peut encore compter, ils sont trop peu nombreux et trop peu structurés pour lui assurer une pérennité. Il convient enfin de noter que : 1- La Libye est un pays bien trop riche en ressources énergétiques pour que les pays occidentaux voisins permettent au chaos d’y prévaloir ; 2- Les opposants à Kaddhafi paraissent déterminés à éviter au chaos de l’emporter sur la notion d’unité nationale ; 3- Les révolutionnaires ont acquis une légitimité qui laisse largement présager d’une base sur laquelle une alternative à Kaddhafi pourra être aisément reconstruite. »

Haoues Seniguer, maître de conférences en science politique à Sciences Po Lyon. Membre de l’ISERL (Institut Supérieur d’Étude des Religions et de la Laïcité), Lyon. Membre du comité de rédaction de Confluences Méditerranée.

5 آذار (مارس) 2011